بقلم: غازي المهايني

المدير التنفيذي

هل لديك فكرة عن تاريخ العملات؟

نستطيع اليوم شراء أي سلعة من أي مكان في العالم خلال لحظات و نستطيع أن ندفع ثمنها بواسطة البطاقة البنكية.

لكن هل تعلم أن البشرية إحتاجت 10 آلاف سنة للوصول لطريقة الدفع هذه؟

المقايضة:

من أكتر من 5000 عام قبل الميلاد, كانت الناس تعيش ضمن قرى صغيرة و تعتمد على مبادلة السلع أو ما يسمى بالمقايضة.

فإذا كنت صياد سمك فمن الممكن أن تبادل السمك بمنتجات أخرى تحتاجها.

كيف تحدد قيمة كل سلعة؟

كان هنالك معادل متعارف عليه  لكل منتج مقابل غيره من المنتجات.

فعلى سبيل المثال:

كل خروف يعادل 50 سمكة أو كل حبة تفاح تعادل حبتين من البطاطا و من الممكن أن كل كيس الرز يعادل كيسين قمح.

ظهور مفهوم السوق المركزي:

لكن موضوع المقايضة تعقد بشكل  أكبر مع زيادة عدد السكان وتنوع المنتجات و بالتالي زيادة حجم التبادل فأصبح هنالك في كل قرية كوخ مشترك أو سوق مركزي بمفهوم اليوم.

يقوم المنتجون بتسليم بضاعتهم لإدارة السوق المركزي و الذي يتولى بدوره مقايضة المنتجات مع المستهلكين و في نهاية كل يوم يتسلم المنتجين مستحقاتهم بعد خصم الديون والضرائب اللي عليهم.

أي أن مفهوم الضرائب و الديون ظهر منذ أكثر من 5000 عام قبل الميلاد.

و مع إستمرار الزيادة الكبيرة في عدد السكان أصبح موضوع المقايضة صعب جداً و طريقة إحتساب الديون و الضرائب معقداً بشكل أكبر.

ظهور المعادل الموحد:

لهذا السبب انتقل الإنسان للاعتماد على معادل جديد و موحد و اعتبره أساس المقايضة.

و هو الأشياء  الثمينة  الموجودة في  منطقة تبادل المنتجات مثل صدف البحر أو فرو الحيوانات المفترسة أو حتى ناب الفيل.

وأصبح هذا المعادل المعتمد أساس تسعير جميع المنتجات الأخرى

فعلى سبيل المثال:

ناب الفيل بيعادل 100 كيس قمح أو 10 أبقار أو 50 رأس غنم.

وجود المعادل الموحد سهل عملية المقايضة وإحتساب الديون و الضرائب بين المنتجين بشكل كبير.

بدء التبادل الخارجي بين المجتمعات:

لكن مشكلة جديدة بدأت مع ظهور التبادل الخارجي و التجارة الخارجية بين المجتمعات أي الصادرات و الواردات بمفهوم اليوم.

المشكلة هي أن الأشياء التي تعتبر ذات قيمة في منطقة معينة نتيجة ندرتها هي بلا قيمة أو ذات قيمة منخفضة  في مجتمع آخر لتوافرها بشكل كبير.

فعلى سبيل المثال:

صدف البحر  ذو قيمة عالية في المناطق الجبلية أو الصحراوية نتيجة ندرته لكن ذو قيمة منخفضة في المناطق البحرية نتيجة وفرته و سهولة الحصول عليه من على الشاطئ.

هذا بالإضافة لصعوبة نقل هذه المواد هي  بين الدول لكبر حجمها و أخطار السرقة و السلب الذي ممكن أن تتعرضله على طريق التجارة الخارجية.

 (تاريخ العملات ) ظهور العملات المعدنية:

مع بدء عصر التجارة الخارجية ظهرت الحاجة مرة أخرى  لمعادل جديد و معتمد من جميع الدول سواء المصدرة أو المستوردة.

كان لهذا المعادل صفات يلزم توفرها:

  • شرعي المعادل: أي تعترف فيه الدولة أو تصنعه الدولة نفسها.
  • صعوبة الحصول عليه يعني ندرته و ذو قيمة بحد ذاته.
  • متانة أو صلابة هالمعادل.
  • قابل للحمل و بسهولة.
  • و أخيرا قابل للتقسيم إلى أجزاء.

المعادل الذي تم الإتفاق عليه كان هو العملات المعدنية و المصنعة من المعادن الثمينة.

تاريخ ظهور العملات المعدنية:

هنالك اختلاف على تاريخ ظهور العملات المعدنية لأول مرة. لكن معظم المصادر تشير إلى أن الصين بدأت استعمال العملات المعدنية منذ 1100 عام قبل الميلاد، بينما ظهرت في بلاد الرافدين 650 عام قبل الميلاد .

العملات المعدنية المصنعة من الذهب أو الفضة أو البرونز كانت تعتبر خيار جيد في تلك الفترة لأن المعادن الثمينة ذات قيمة بحد ذاتها و خاصة بوجود شعار الدولة أو صورة الإمبراطور على العملة التي أعطتها الشرعية و القبول.

العملات المعدنية ساعدت بشكل كبير على إنتشار التجارة الدولية بين الإمبراطوريات و عبر القارات.

لكن مع ازدياد الحاجة إلى العملات المعدنية و محدودية مصادر المعادن الثمينة بدأت الإمبراطوريات تخفف من نسب المعادن الثمينة في العملات و بالتالي خفضت قيمتها الفعلية و مع إنهيار بعض الإمبراطوريات أصبحت عملاتها المعدنية بلا قيمة نتيجة إختفاء الدولة التي أعطت بالأساس الشرعية لهذه العملات.

هذا بالإضافة إلى المخاطر التي يتعرض لها حامل العملات المعدنية خلال السفر من سرقة أو سلب.

ظهور العملات الورقية:

مع كل زيادة في حجم التبادل التجاري تظهر الحاجة لنوع جديد من العملات أكثر مرونة.

و لحل هذه المشكلة بدأت الصين التعامل بسندات الإيداع و هي عبارة عن إيصال ورقي يحصل عليه التاجر بعد إيداع عملاته المعدنية الثمينة  في خزنة الدولة.

التاجر من جهته يستطيع تسديد قية مشترياته  عن طريق هذا الإيصال في بلدان أخرى.

أي يكتفي التاجر بحمل الإيصال الورقي  عوضاً عن حمل كميات كبيرة من العملات المعدنية على طرق السفر.

هذه السندات الورقية سرعان ما تحولت إلى العملات الورقية التي نعرفها اليوم و التي كانت تعتمد معيار الذهب كأساس لتحديد قيمة العملة.

أي أن الدولة التي تمتلك كمية معينة من الذهب تستطيع طباعة ما يعادلها فقط من العملات الورقية و هذا الشيء منح العملات الورقية إمكانية المبادلة على أساس واضح و ثابت و هو معيار الذهب.

تم إستخدام العملات الورقية لأول مرة في الصين أيضا 600 عام قبل الميلاد في عهد سلالة تانج.

و هذا الشيء ترافق مع ظهور البنوك و التعاملات البنكية.

إستمر إعتماد معادل الذهب في تحديد قيمة العملات  الورقية لغاية عام 1970 عندما ألغت الدول إعتماد هذا المعيار و أصبح معيار تحديد قيمة عملة أي دولة  هو الثقة في إقتصاد أو حكومة هذا البلد.

هذا الشيء سمح للحكومات بطباعة و طرح كميات كبيرة من العملات الورقية كلما إحتاجت للتمويل و كلما عانت من العجز المالي.

التضخم:

وجود كميات كبيرة من العملات الورقية في السوق تفوق قيمة السلع و الخدمات الموجودة أصلا رفع بشكل تلقائي أسعار  المنتجات بسبب إرتفاع الطلب عليها و خفض قيمة العملات الورقية بحد ذاتها.

هذا الشيء أصبح يسمى لاحقاً بالتضخم.

بدء تشكل نظام مالي عالمي جديد:

  • النظام المالي الحالي يواجه صعوبات ستؤدي حتما إلى تغييره و فرض نظام مالي جديد لأسباب عدة.
  • كما أن النظام المالي الحالي قيد حركة الأموال بين الأفراد لأغراض الرقابة الضريبية و مكافحة غسيل الأموال.
  • النظام المالي الحالي أيضا غير عادل من جهة تقييم العملات المحلية للدول و سيطرة دولة وحيدة على رقابة الحوالات الخارجية.

بإختصار:النظام المالي الحالي لم يعد يناسب حجم الحركة الإقتصادية  للعالم .

ظهور الحاجة إلى نظام مالي جديد أدى إلى ظهور نظام العملات الرقمية المشفرة.

نحن اليوم أمام نظام مالي عالمي جديد قيد التشكيل خاصة أن العملات الرقمية ماتزال تفتقد للشرعية التي تستمدها من الدول عادةً.

و أنتم برأيكم، هل النظام المالي العالمي الجديد سيصبح أفضل مع العملات الرقمية؟

إقرأ المزيد عن الإدارة المالية والقانونية: